الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الطبري المسمى بـ «جامع البيان في تأويل آي القرآن» ***
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِذَلِكَ: وَلَا يَأْكُلُ بَعْضُكُمْ مَالَ بَعْضٍ بِالْبَاطِلِ. فَجَعَلَ تَعَالَى ذِكْرُهُ بِذَلِكَ آكِلَ مَالِ أَخِيهِ بِالْبَاطِلِ، كَالْآكِلِ مَالَ نَفْسِهِ بِالْبَاطِلِ. وَنَظِيرُ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ} [سُورَةَ الْحُجُرَاتِ: 11] وَقَوْلُهُ: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [سُورَةَ النِّسَاءِ: 29] بِمَعْنَى: لَا يَلْمُزْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، وَلَا يَقْتُلْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ جَعَلَ الْمُؤْمِنِينَ إِخْوَةً، فَقَاتَلَ أَخِيهِ كَقَاتِلِ نَفْسِهِ، وَلَامَزَهُ كَلَامِزٍ نَفْسَهُ، وَكَذَلِكَ تَفْعَلُ الْعَرَبُ تُكَنِّي عَنْ نَفْسِهَا بِأَخَوَاتِهَا، وَعَنْ أَخَوَاتِهَا بِأَنْفُسِهَا، فَتَقُولُ: " أَخِي وَأَخُوكَ أَيُّنَا أَبْطِشُ ". يَعْنِي: أَنَا وَأَنْتَ نَصْطَرِعُ، فَنَنْظُرُ أَيُّنَا أَشَدُّ- فَيُكَنِّي الْمُتَكَلِّمُ عَنْ نَفْسِهِ بِأَخِيهِ، لِأَنَّ أَخَا الرَّجُلِ عِنْدَهَا كَنَفْسِهِ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ الشَّاعِرِ: أخِي وَأَخُوكَ بِبَطْنِ النُّسَيْرِ *** لَيْسَ بِهِ مِنْ مَعَدٍّ عَرِيبْ فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: وَلَا يَأْكُلْ بَعْضُكُمْ أَمْوَالَ بَعْضٍ فِيمَا بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ. " وَأَكْلُهُ بِالْبَاطِلِ ": أَكْلُهُ مِنْ غَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي أَبَاحَهُ اللَّهُ لِآكِلِيهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: {وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ} فَإِنَّهُ يَعْنِي: وَتُخَاصِمُوا بِهَا- يَعْنِي: بِأَمْوَالِكُمْ- إِلَى الْحُكَّامِ {لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا} طَائِفَةً مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ. وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: {بِالْإِثْمِ} بِالْحَرَامِ الَّذِي قَدْ حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَيْكُمْ {وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}، أَيْ: وَأَنْتُمْ تَتَعَمَّدُونَ أَكْلَ ذَلِكَ بِالْإِثْمِ، عَلَى قَصْدٍ مِنْكُمْ إِلَى مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ مِنْهُ، وَمَعْرِفَةٍ بِأَنَّ فِعْلَكُمْ ذَلِكَ مَعْصِيَةٌ لِلَّهِ وَإِثْمٌ.. كَمَا: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ} فَهَذَا فِي الرَّجُلِ يَكُونُ عَلَيْهِ مَالٌ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِيهِ بَيِّنَةٌ، فَيَجْحَدُ الْمَالَ، فَيُخَاصِمُهُمْ فِيهِ إِلَى الْحُكَّامِ وَهُوَ يَعْرِفُ أَنَّ الْحَقَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ يُعْلَمُ أَنَّهُ آثِمٌ آكِلٌ حَرَامًا. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى عَنِ ابْنِ أَبِي نُجَيْحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ: {وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ} قَالَ: لَا تُخَاصِمْ وَأَنْتَ ظَالِمٌ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ عَنِ ابْنِ أَبِي نُجَيْحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ} وَكَانَ يُقَالُ: مَنْ مَشَى مَعَ خَصْمِهِ وَهُوَ لَهُ ظَالِمٌ، فَهُوَ آثِمٌ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى الْحَقِّ. وَاعْلَمْ يَا ابْنَ آدَمَ أَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي لَا يَحِلُّ لَكَ حَرَامًا وَلَا يَحِقُّ لَكَ بَاطِلًا وَإِنَّمَا يَقْضِي الْقَاضِي بِنَحْوِ مَا يَرَى وَيُشْهِدُ بِهِ الشُّهُودَ، وَالْقَاضِي بَشَرٌ يُخْطِئُ وَيُصِيبُ. وَاعْلَمُوا أَنَّهُ مِنْ قَدْ قُضِيَ لَهُ بِالْبَاطِلِ، فَإِنَّ خُصُومَتَهُ لَمْ تَنْقُضْ حَتَّى يَجْمَعَ اللَّهُ بَيْنَهُمَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيَقْضِي عَلَى الْمِبْطِلِ لِلْمُحِقِّ، بِأَجْوَدِ مِمَّا قُضِيَ بِهِ لِلْمُبْطِلِ عَلَى الْمُحِقِّ فِي الدُّنْيَا. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: {وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ} قَالَ: لَا تُدْلِ بِمَالِ أَخِيكَ إِلَى الْحَاكِمِ وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّكَ ظَالِمٌ، فَإِنَّ قَضَاءَهُ لَا يُحَلُّ لَكَ شَيْئًا كَانَ حَرَامًا عَلَيْكَ. حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ عَنِ السُّدِّيِّ: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} أَمَا " الْبَاطِلُ " يَقُولُ: يَظْلِمُ الرَّجُلُ مِنْكُمْ صَاحِبَهُ، ثُمَّ يُخَاصِمُهُ لِيَقْطَعَ مَالَهُ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ ظَالِمٌ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ}. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي خَالِدٌ الْوَاسِطِيُّ عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ قَوْلَهُ: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} قَالَ: هُوَ الرَّجُلُ يَشْتَرِي السِّلْعَةَ فَيَرُدُّهَا وَيَرُدُّ مَعَهَا دَرَاهِمَ. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ} يَقُولُ: يَكُونُ أَجْدِلَ مِنْهُ وَأُعْرَفَ بِالْحُجَّةِ، فَيُخَاصِمُهُ فِي مَالِهِ بِالْبَاطِلِ لِيَأْكُلَ مَالَهُ بِالْبَاطِلِ. وَقَرَأَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [سُورَةَ النِّسَاءِ: 29] قَالَ: هَذَا الْقِمَارُ الَّذِي كَانَ يَعْمَلُ بِهِ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ. وَأَصْلُ " الْإِدْلَاءِ ": إِرْسَالُ الرَّجُلِ الدَّلْوَ فِي سَبَبٍ مُتَعَلِّقًا بِهِ فِي الْبِئْرِ. فَقِيلَ لِلْمُحْتَجِّ لِدَعْوَاهُ: " أَدْلَى بِحُجَّةٍ كَيْتَ وَكَيْتَ " إِذَا كَانَتْ حُجَّتُهُ الَّتِي يَحْتَجُّ بِهَا سَبَبًا لَهُ، هُوَ بِهِ مُتَعَلِّقٌ فِي خُصُومَتِهِ، كَتَعَلُّقِ الْمُسْتَقِي مِنْ بِئْرٍ بِدَلْوٍ قَدْ أَرْسَلَهَا فِيهَا بِسَبَبِهَا الَّذِي الدَّلْو بِهِ مُتَعَلِّقَةٌ، يُقَالُ فِيهِمَا جَمِيعًا- أَعْنِي مِنَ الِاحْتِجَاجِ، وَمِنْ إِرْسَالِ الدَّلْوِ فِي الْبِئْرِ بِسَبَبٍ: " أَدْلَى فُلَانٌ بِحُجَّتِهِ، فَهُوَ يُدْلِي بِهَا إِدْلَاءً وَأَدْلَى دَلْوَهُ فِي الْبِئْرِ، فَهُوَ يُدْلِيهَا إِدْلَاءً ". فَأَمَّا قَوْلُهُ: {وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ}، فَإِنَّ فِيهِ وَجْهَيْنِ مِنَ الْإِعْرَابِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: {وَتُدْلُوا} جَزْمًا عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} أَيْ: وَلَا تُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ، وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ فِي قِرَاءَةِ أُبَيٍّ بِتَكْرِيرِ حَرْفِ النَّهْيِ: {وَلَا تُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ}. وَالْآخَرُ مِنْهُمَا: النَّصْبُ عَلَى الصَّرْفِ، فَيَكُونُ مَعْنَاهُ حِينَئِذٍ: لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَأَنْتُمْ تَدْلُونَ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ: لَا تَنْهَ عَنْ خُلُقٍ وَتَأْتِيَ مِثْلَهُ *** عَارٌ عَلَيْكَ إِذَا فَعَلْتَ عَظِيمُ يَعْنِي: لَا تَنْهَ عَنْ خُلُقٍ وَأَنْتَ تَأْتِي مِثْلَهُ. وَهُوَ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ جَزْمٍ- عَلَى مَا ذُكِرَ فِي قِرَاءَةِ أُبِيٍّ- أَحْسَنُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ نَصْبًا.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: ذُكِرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ زِيَادَةِ الْأَهِلَّةِ وَنُقْصَانِهَا وَاخْتِلَافِ أَحْوَالِهَا، فأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ هَذِهِ الْآيَةَ، جَوَابًا لَهُمْ فِيمَا سَأَلُوا عَنْهُ. ذِكْرُ الْأَخْبَارِ بِذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتََادَةَ قَوْلَهُ: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ}، قَالَ قَتَادَةُ: سَأَلُوا نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ: لِمَ جُعِلَتْ هَذِهِ الْأَهِلَّةُ؟ فأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهَا مَا تَسْمَعُونَ: {هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ}، فَجَعَلَهَا لِصَوْمِ الْمُسْلِمِينَ وَلِإِفْطَارِهِمْ، وَلِمَنَاسِكِهِمْ وَحَجِّهِمْ، وَلِعِدَّةِ نِسَائِهِمْ وَمَحَلِّ دَيْنِهِمْ فِي أَشْيَاءَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُصْلِحُ خَلْقَهُ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الرَّبِيعِ قَالَ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُمْ قَالُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لِمَ خُلِقَتِ الْأَهِلَّةُ؟ فأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} جَعَلَهَا اللَّهُ مَوَاقِيتَ لِصَوْمِ الْمُسْلِمِينَ وَإِفْطَارِهِمْ وَلِحَجِّهِمْ وَمَنَاسِكِهِمْ وَعِدَّةِ نِسَائِهِمْ وَحَلِّ دُيُونِهِمْ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: {مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} قَالَ: هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ فِي حَجِّهِمْ وَصَوْمِهِمْ وَفِطْرِهِمْ ونُسُكِهِمْ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قَالَ النَّاسُ: لِمَ خَلَقَتِ الْأَهِلَّةُ؟ فَنَزَلَتْ: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ}، لِصَوْمِهِمْ وَإِفْطَارِهِمْ وَحَجِّهِمْ وَمَنَاسِكِهِمْ- قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَوَقْتِ حَجِّهِمْ، وَعِدَّةِ نِسَائِهِمْ، وَحَلِّ دَيْنِهِمْ. حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ عَنِ السُّدِّيِّ: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ} فَهِيَ مَوَاقِيتُ الطَّلَاقِ وَالْحَيْضِ وَالْحَجِّ. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنِ الضِّحَاكِ: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ}، يَعْنِي: حَلَّ دَيْنِهِمْ، وَوَقْتَ حَجِّهِمْ، وَعِدَّةَ نِسَائِهِمْ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: سَأَلَ النَّاسُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْأَهِلَّةِ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ} يَعْلَمُونَ بِهَا حَلَّ دِينِهِمْ، وَعِدَّةَ نِسَائِهِمْ، وَوَقْتَ حَجِّهِمْ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ جَابِرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَحْيَى عَنْ عَلِيٍّ: أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ: {مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ}، قَالَ: هِيَ مَوَاقِيتُ الشَّهْرِ: هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا- وَقَبَضَ إِبْهَامَهُ- فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَصُومُوا وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَتِمُّوا ثَلَاثِينَ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَتَأْوِيلُ الْآيَةِ- إِذَا كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا ذَكَّرَنَا عَمَّنْ ذَكَرْنَا عَنْهُ قَوْلَهُ فِي ذَلِكَ-: يَسْأَلُونَكَ يَا مُحَمَّدُ عَنِ الْأَهِلَّةِ وَمِحَاقِهَا وَسِرَارِهَا وَتَمَامِهَا وَاسْتِوَائِهَا، وَتَغَيُّرِ أَحْوَالِهَا بِزِيَادَةٍ وَنُقْصَانٍ وَمِحَاقٍ وَاسْتِسْرَارٍ، وَمَا الْمَعْنَى الَّذِي خَالَفَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّمْسِ الَّتِي هِيَ دَائِمَةٌ أَبَدًا عَلَى حَالٍ وَاحِدَةٍ لَا تَتَغَيَّرُ بِزِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ؟- فَقُلْ يَا مُحَمَّدُ: خَالَفَ بَيْنَ ذَلِكَ رَبُّكُمْ لِتَصْيِيرِهِ الْأَهِلَّةَ الَّتِي سَأَلْتُمْ عَنْ أَمْرِهَا، وَمُخَالَفَةُ مَا بَيَّنَهَا وَبَيْنَ غَيْرِهَا فِيمَا خَالَفَ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ مَوَاقِيتَ لَكُمْ وَلِغَيْرِكُمْ مِنْ بَنِي آدَمَ فِي مَعَايِشِهِمْ، تَرْقُبُونَ بِزِيَادَتِهَا وَنُقْصَانِهَا وَمِحَاقِهَا وَاسْتِسْرَارِهَا وَإِهْلَالِكُمْ إِيَّاهَا أَوْقَاتَ حَلِّ دُيُونِكُمْ، وَانْقِضَاءَ مُدَّةِ إِجَارَةِ مَنِ اسْتَأْجَرْتُمُوهُ، وَتَصَرُّمَ عِدَّةِ نِسَائِكُمْ، وَوَقْتَ صَوْمِكُمْ وَإِفْطَارِكُمْ، فَجَعَلَهَا مَوَاقِيتَ لِلنَّاسِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: {وَالْحَجِّ}، فَإِنَّهُ يَعْنِي: وَلِلْحَجِّ، يَقُولُ: وَجَعَلَهَا أَيْضًا مِيقَاتًا لِحَجِّكُمْ، تَعْرِفُونَ بِهَا وَقْتَ مَنَاسِكِكُمْ وَحَجِّكُمْ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: قِيلَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي قَوْمٍ كَانُوا لَا يَدْخُلُونَ- إِذَا أَحْرَمُوا- بُيُوتَهُمْ مِنْ قِبَلِ أَبْوَابِهَا.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمَثْنَى قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ يَقُولُ: كَانَتْ الْأَنْصَارُ إِذَا حَجُّوا وَرَجَعُوا لَمْ يَدْخُلُوا الْبُيُوتَ إِلَّا مِنْ ظُهُورِهَا. قَالَ: فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَدَخْلَ مِنْ بَابِهِ، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا}. حَدَّثَنِي سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا أَحْرَمُوا، أتُوُا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا، وَلَمْ يَأْتُوا مِنْ أَبْوَابِهَا، فَنَزَلَتْ: {وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا} الْآيَةَ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ دَاوُدَ عَنْ قَيْسِ بْنِ حَبْتَرٍ: «أَنَّ نَاسًا كَانُوا إِذَا أَحْرَمُوا لَمْ يَدْخُلُوا حَائِطًا مِنْ بَابِهِ، وَلَا دَارًا مِنْ بَابِهَا أَوْ بَيْتًا، فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ دَارًا، وَكَانَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ: " رِفَاعَةُ بْنُ تَابُوتٍ " فَجَاءَ فَتَسَوَّرَ الْحَائِطَ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَلَمَّا خَرَجَ مِنْ بَابِ الدَّارِ- أَوْ قَالَ: مِنْ بَابِ الْبَيْتِ- خَرَجَ مَعَهُ رِفَاعَةُ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا حَمَلَكَ عَلَى ذَلِكَ؟ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، رَأَيْتُكَ خَرَجْتَ مِنْهُ، فَخَرَجْتُ مِنْهُ! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي رَجُلٌ أَحْمَسُ! فَقَالَ: إِنْ تَكُنْ رَجُلًا أَحْمَسَ، فَإِنَّ دِينَنَا وَاحِدٌ! فأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: {وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مِنَ اتَّقَى وَأَتَوُا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا}». حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى عَنِ ابْنِ أَبِي نُجَيْحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ: {وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا} يَقُولُ: لَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ كُوَّاتِ فِي ظُهُورِ الْبُيُوتِ وَأَبْوَابٍ فِي جُنُوبِهَا تَجْعَلُهَا أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ. فَنُهُوا أَنْ يَدْخُلُوا مِنْهَا، وَأُمِرُوا أَنْ يَدْخُلُوا مِنْ أَبْوَابِهَا. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ عَنِ ابْنِ أَبِي نُجَيْحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٍ عَنْ مُغَيَّرَةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: كَانَ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ إِذَا أَحْرَمُوا لَمْ يَدْخُلُوا مِنْ أَبْوَابِ بُيُوتِهِمْ وَدَخَلُوا مِنْ ظُهُورِهَا، فَنَزَلَتْ: {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى} الْآيَةَ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: {وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا} قَالَ: «كَانَ الْمُشْرِكُونَ إِذَا أَحْرَمَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ نَقَبَ كُوَّةً فِي ظَهْرِ بَيْتِهِ فَجَعَلَ سُلَّمًا، فَجَعَلَ يَدْخُلُ مِنْهَا. قَالَ: فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ وَمَعَهُ رَجُلٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، قَالَ: فَأَتَى الْبَابَ لِيَدْخُلَ، فَدَخَلَ مِنْهُ. قَالَ: فَانْطَلَقَ الرَّجُلُ لِيَدْخُلَ مِنَ الْكُوَّةِ. قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا شَأْنُكَ؟ فَقَالَ: إِنِّي أَحْمَسُ! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَأَنَا أَحْمَسُ». حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: «كَانَ نَاسٌ مِنَ الْأَنْصَارِ إِذَا أَهَلُّوا بِالْعُمْرَةِ لَمْ يَحِلَّ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ السَّمَاءِ شَيْءٌ يَتَحَرَّجُونَ مِنْ ذَلِكَ، وَكَانَ الرَّجُلُ يَخْرُجُ مُهِلًّا بِالْعُمْرَةِ فَتَبْدُو لَهُ الْحَاجَّةُ بَعْدَ مَا يَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهِ فَيَرْجِعُ وَلَا يَدْخُلُ مِنْ بَابِ الْحُجْرَةِ مِنْ أَجْلِ سَقْفِ الْبَابِ أَنْ يَحُولَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّمَاءِ، فَيَفْتَحُ الْجِدَارَ مِنْ وَرَائِهِ، ثُمَّ يَقُومُ فِي حُجْرَتِهِ فَيَأْمُرُ بِحَاجَتِهِ. فَتَخْرُجُ إِلَيْهِ مِنْ بَيْتِهِ، حَتَّى بَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهَلَّ زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ بِالْعُمْرَةِ، فَدَخَلَ حُجْرَةً، فَدَخْلَ رَجُلٌ عَلَى أَثَرِهِ، مِنَ الْأَنْصَارِ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي أَحْمَسُ! قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَكَانَتِ الْحُمْسُ لَا يُبَالُونَ ذَلِكَ. فَقَالَ الْأَنْصَارِي: وَأَنَا أَحْمَسُ! يَقُولُ: وَأَنَا عَلَى دِينِكَ، فأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: {وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا}». حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ: {وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ} الْآيَةَ كُلَّهَا. قَالَ قَتَادَةُ: كَانَ هَذَا الْحَيُّ مِنَ الْأَنْصَارِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، إِذَا أَهَلَّ أَحَدُهُمْ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ لَا يَدْخُلُ دَارًا مِنْ بَابِهَا، إِلَّا أَنْ يَتَسَوَّرَ حَائِطًا تَسَوُّرًا، وَأَسْلَمُوا وَهُمْ كَذَلِكَ. فأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ فِي ذَلِكَ مَا تَسْمَعُونَ، وَنَهَاهُمْ عَنْ صَنِيعِهِمْ ذَلِكَ، وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ صَنِيعُهُمْ ذَلِكَ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا. حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ عَنِ السُّدِّيِّ قَوْلَهُ: {وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا} «فَإِنَّ نَاسًا مِنَ الْعَرَبِ كَانُوا إِذَا حَجُّوا لَمْ يَدْخُلُوا بُيُوتَهُمْ مِنْ أَبْوَابِهَا كَانُوا يَنْقُبُونَ فِي أَدْبَارِهَا، فَلَمَّا حَجَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِجَّةَ الْوَدَاعِ، أَقْبَلَ يَمْشِي وَمَعَهُ رَجُلٌ مِنْ أُولَئِكَ وَهُوَ مُسْلِمٌ. فَلَمَّا بَلَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَابَ الْبَيْتِ احْتَبَسَ الرَّجُلُ خَلْفَهُ وَأَبَى أَنْ يَدْخُلَ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَحْمَسُ!- يَقُولُ: إِنِّي مُحْرِمٌ- وَكَانَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ يُسَمَّوْنَ " الْحُمْسَ)، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَأَنَا أَيْضًا أَحْمَسُ! فَادْخُلْ. فَدَخَلَ الرَّجُلُ، فأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: {وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا}». حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا} «وَأَنَّ رِجَالًا مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ كَانُوا إِذَا خَافَ أَحَدُهُمْ مِنْ عَدُوِّهِ شَيْئًا أَحْرَمَ فَأَمِنَ، فَإِذَا أَحْرَمَ لَمْ يَلِجْ مِنْ بَابِ بَيْتِهِ وَاتَّخَذَ نَقْبًا مِنْ ظَهَرِ بَيْتِهِ. فَلَمَّا قَدَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ كَانَ بِهَا رَجُلٌ مُحْرِمٌ كَذَلِكَ- وَأَنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ كَانُوا يُسَمُّونَ الْبُسْتَانَ " الْحُشَّ "- وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ بُسْتَانًا، فَدَخَلَهُ مِنْ بَابِهِ، وَدَخَلَ مَعَهُ ذَلِكَ الْمُحَرَّمُ، فَنَادَاهُ رَجُلٌ مِنْ وَرَائِهِ: يَا فُلَانٌ، إِنَّكَ مُحَرَّمٌ وَقَدْ دَخَلْتُ! فَقَالَ: أَنَا أَحْمَسُ! فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنْ كُنْتَ مُحْرِمًا فَأَنَا مُحْرِمٌ، وَإِنَّ كُنْتَ أَحْمُسَ فَأَنَا أَحْمَسُ! فأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: {وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا)، إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، فَأَحَلَّ اللَّهُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَدْخُلُوا مِنْ أَبْوَابِهَا». حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارِ بْنِ الْحَسَنِ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ قَوْلَهُ: {وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا} قَالَ: «كَانَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَغَيْرُهُمْ إِذَا أَحْرَمُوا لَمْ يَدْخُلُوا الْبُيُوتَ إِلَّا مِنْ ظُهُورِهَا، وَذَلِكَ أَنْ يتسوَّرُوها، فَكَانَ إِذَا أَحْرَمَ أَحَدُهُمْ لَا يَدْخُلُ الْبَيْتَ إِلَّا أَنْ يَتَسَوَّرَهُ مِنْ قِبَلِ ظَهْرِهِ. وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ ذَاتَ يَوْمٍ بَيْتًا لِبَعْضِ الْأَنْصَارِ، فَدَخَلَ رَجُلٌ عَلَى أَثَرِهِ مِمَّنْ قَدْ أَحْرَمَ، فَأَنْكَرُوا ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَقَالُوا: هَذَا رَجُلٌ فَاجِرٌ! فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لِمَ دَخَلْتَ مِنَ الْبَابِ وَقَدْ أَحْرَمَتْ؟ فَقَالَ: رَأَيْتُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ دَخَلْتَ فَدَخَلْتُ عَلَى أَثَرِكَ! فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي أَحْمَسُ!- وَقُرَيْشٌ يَوْمئِذٍ تُدْعَى الْحُمْسَ- فَلَمَّا أَنْ قَالَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْأَنْصَارِي: إِنَّ دِينَيْ دِينُكَ! فأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: {وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا} الْآيَة». حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ قَوْلَهُ: {وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا} قَالَ: كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَأْتُونَ الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَيَرَوْنَهُ بِرًّا، فَقَالَ: " الْبِرُّ"، ثُمَّ نَعَتَ " الْبِرَّ " وَأَمَرَ بِأَنْ يَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَأَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَثِيرٍ: أَنَّهُ سَمِعَ مُجَاهِدًا يَقُولُ: كَانَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي الْأَنْصَارِ يَأْتُونَ الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا، يَتَبَرَّرُونَ بِذَلِكَ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَتَأْوِيلُ الْآيَةِ إذًا: وَلَيْسَ الْبِرُّ أَيُّهَا النَّاسُ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ فِي حَالِ إِحْرَامِكُمْ مِنْ ظُهُورِهَا، وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى اللَّهَ فَخَافَهُ وَتَجَنَّبَ مَحَارِمَهُ، وَأَطَاعَهُ بِأَدَاءِ فَرَائِضِهِ الَّتِي أَمَرَهُ بِهَا، فَأَمَّا إِتْيَانُ الْبُيُوتِ مِنْ ظُهُورِهَا فَلَا بَرَّ لِلَّهِ فِيهِ، فَأْتُوهَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمْ مِنْ أَبْوَابِهَا وَغَيْرِ أَبْوَابِهَا، مَا لَمْ تَعْتَقِدُوا تَحْرِيمَ إِتْيَانِهَا مِنْ أَبْوَابِهَا فِي حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ، فَإِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ لَكُمُ اعْتِقَادُهُ، لِأَنَّهُ مِمَّا لَمَّ أَحْرِمْهُ عَلَيْكُمْ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِذَلِكَ: وَاتَّقَوُا اللَّهَ أَيُّهَا النَّاسُ، فَاحْذَرُوهُ وَارْهَبُوهُ بِطَاعَتِهِ فِيمَا أَمَرَكُمْ بِهِ مِنْ فَرَائِضِهِ، وَاجْتِنَابِ مَا نَهَاكُمْ عَنْهُ، لِتَفْلَحُوا فَتَنْجَحُوا فِي طَلَبَاتِكُمْ لَدَيْهِ، وَتُدْرِكُوا بِهِ الْبَقَاءَ فِي جَنَّاتِهِ وَالْخُلُودَ فِي نَعِيمِهِ. وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى " الْفَلَاحِ " فِيمَا مَضَى قَبْلُ بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ هَذِهِ الْآيَةِ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هَذِهِ الْآيَةُ هِيَ أَوَّلُ آيَةٍ نَزَلَتْ فِي أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ بِقِتَالِ أَهْلِ الشِّرْكِ. وَقَالُوا: أُمِرَ فِيهَا الْمُسْلِمُونَ بِقِتَالِ مَنْ قَاتَلَهُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَالْكَفِّ عَمَّنْ كَفَّ عَنْهُمْ، ثُمَّ نُسِخَتْ بِـ " بَرَاءَةٍ ".
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَعْدٍ وَابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَنِ الرَّبِيعِ فِي قَوْلِهِ: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} قَالَ: هَذِهِ أَوَّلُ آيَةٍ نَزَلَتْ فِي الْقِتَالِ بِالْمَدِينَةِ فَلَمَّا نَزَلَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَاتِلُ مَنْ يُقَاتِلُهُ، وَيَكُفُّ عَمَّنْ كَفَّ عَنْهُ، حَتَّى نَزَلَتْ " بَرَاءَةٌ "- وَلَمْ يَذْكُرْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: " الْمَدِينَةَ ". حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ} إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، قَالَ: قَدْ نُسِخَ هَذَا! وَقَرَأَ قَوْلَ اللَّهِ: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً} [سُورَةَ التَّوْبَةِ: 36]، وَهَذِهِ النَّاسِخَةُ، وَقَرَأَ: {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} حَتَّى بَلَغَ: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} إِلَى: {إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [سُورَةَ التَّوْبَةِ: 5]. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ ذَلِكَ أَمْرٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِلْمُسْلِمِينَ بِقِتَالِ الْكُفَّارِ، لَمْ يُنْسَخْ. وَإِنَّمَا الِاعْتِدَاءُ الَّذِي نَهَاهُمُ اللَّهُ عَنْهُ، هُوَ نَهْيُهُ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالذَّرَارِي. قَالُوا: وَالنَّهْيُ عَنْ قَتْلِهِمْ ثَابِتٌ حُكْمُهُ الْيَوْمَ. قَالُوا: فَلَا شَيْءَ نُسِخَ مِنْ حُكْمِ هَذِهِ الْآيَةِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صَدَقَةَ الدِّمَشْقِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى الْغَسَّانِيِّ قَالَ: كَتَبْتُ إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَسْأَلُهُ عَنْ قَوْلِهِ: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}، قَالَ: فَكَتَبَ إِلَيَّ: " إِنَّ ذَلِكَ فِي النِّسَاءِ وَالذُّرِّيَّةِ وَمَنْ لَمْ يَنْصِبْ لَكَ الْحَرَبَ مِنْهُمْ ". حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى عَنِ ابْنِ أَبِي نُجَيْحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ} لِأَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أُمِرُوا بِقِتَالِ الْكُفَّارِ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ عَنِ ابْنِ أَبِي نُجَيْحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ. حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ عَنْ عَلِيٍّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} يَقُولُ: لَا تَقْتُلُوا النِّسَاءَ وَلَا الصِّبْيَانَ وَلَا الشَّيْخَ الْكَبِيرَ وَلَا مَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَكَفَ يَدَهُ، فَإِنْ فَعَلْتُمْ هَذَا فَقَدَ اعْتَدَيْتُمْ. حَدَّثَنِي ابْنُ الْبَرْقِيِّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى عَدِيِّ بْنِ أَرْطَاةَ: " إِنِّي وَجَدْتُ آيَةً فِي كِتَابِ اللَّهِ: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} أَيْ: لَا تُقَاتِلْ مَنْ لَا يُقَاتِلُكَ، يَعْنِي: النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ وَالرُّهْبَانَ ". قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ بِالصَّوَابِ، الْقَوْلُ الَّذِي قَالَهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ. لِأَنَّدَعْوَى الْمُدَّعِي نَسْخَ آيَةٍيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ غَيْرَ مَنْسُوخَةٍ، بِغَيْرِ دَلَالَةٍ عَلَى صِحَّةِ دَعْوَاهُ، تَحَكُّمٌ. وَالتَّحَكُّمُ لَا يَعْجِزُ عَنْهُ أَحَدٌ. وَقَدْ دَلَلْنَا عَلَى مَعْنَى " النُّسَخِ"، وَالْمَعْنَى الَّذِي مِنْ قِبَلِهِ يُثْبِتُ صِحَّةَ النَّسْخِ، بِمَا قَدْ أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. فَتَأْوِيلُ الْآيَةِ- إِذَا كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا وَصَفْنَا-: وَقَاتِلُوا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَسَبِيلُهُ: طَرِيقُهُ الَّذِي أَوْضَحَهُ، وَدِينُهُ الَّذِي شَرَعَهُ لِعِبَادِهِ يَقُولُ لَهُمْ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَاتَلُوا فِي طَاعَتِي وَعَلَى مَا شَرَعْتُ لَكُمْ مِنْ دِينِي، وَادْعُوَا إِلَيْهِ مَنْ وَلَّى عَنْهُ وَاسْتَكْبَرَ بِالْأَيْدِي وَالْأَلْسُنِ، حَتَّى يَنِيبُوا إِلَى طَاعَتِي، أَوْ يُعْطُوكُمُ الْجِزْيَةَ صَغَارًا إِنَّ كَانُوا أَهْلَ كُتَّابٍ. وَأَمَرَهُمْ تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقِتَالِ مَنْ كَانَ مِنْهُ قِتَالٌ مِنْ مُقَاتِلَةِ أَهْلِ الْكُفْرِ دُونَ مَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ قِتَالٌ مِنْ نِسَائِهِمْ وَذَرَّارِيهِمْ، فَإِنَّهُمْ أَمْوَالٌ وَخَوَلٌ لَهُمْ إِذَا غُلِبَ الْمُقَاتِلُونَ مِنْهُمْ فَقُهِرُوا، فَذَلِكَ مَعْنَى قَوْلِهِ: {قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ} لِأَنَّهُ أَبَاحَ الْكَفَّ عَمَّنْ كَفَّ، فَلَمْ يُقَاتِلْ مِنْ مُشْرِكِي أَهْلِ الْأَوْثَانِ وَالْكَافِّينَ عَنْ قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُفَّارِ أَهْلِ الْكِتَابِ عَلَى إِعْطَاءِ الْجِزْيَةِ صَغَارًا. فَمَعْنَى قَوْلِهِ: {وَلَا تَعْتَدُوا}: لَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا وَلَا امْرَأَةً، وَلَا مَنْ أَعْطَاكُمُ الْجِزْيَةَ مِنْ أَهْلَ الْكِتَابَيْنِ وَالْمَجُوسِ {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} الَّذِينَ يُجَاوِزُونَ حُدُودَهُ، فَيَسْتَحِلُّونَ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَنْ قَتْلِ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ حَرَّمَ قَتْلَهُمْ مِنْ نِسَاءِ الْمُشْرِكِينَ وَذَرَارِيهِمْ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِذَلِكَ: وَاقْتُلُوا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ أَصَبْتُمْ مُقَاتِلَهُمْ وَأَمْكَنَكُمْ قَتْلُهُمْ، وَذَلِكَ هُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ: {حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ}. وَمَعْنَى " الثِّقْفَةُ " بِالْأَمْرِ الْحِذْقُ بِهِ وَالْبَصَرُ، يُقَالُ: " إِنَّهُ لَثَقِفٌ لَقْفٌ"، إِذَا كَانَ جِيدَ الْحِذْرِ فِي الْقِتَالِ، بَصِيرًا بِمَوَاقِعِ الْقَتْلِ. وَأَمَّا " التَّثْقِيفُ " فَمَعْنًى غَيْرُ هَذَا، وَهُوَ التَّقْوِيمُ. فَمَعْنَى: {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ}، اقْتُلُوهُمْ فِي أَيِّ مَكَانٍ تَمَكَّنْتُمْ مِنْ قَتْلِهِمْ، وَأَبْصَرْتُمْ مُقَاتِلَهُمْ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: {وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ} فَإِنَّهُ يُعْنَى بِذَلِكَ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَمَنَازِلِهِمْ بِمَكَّةَ فَقَالَ لَهُمْ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَخْرِجُوا هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ- وَقَدْ أَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ- مِنْ مَسَاكِنِهِمْ وَدِيَارِهِمْ كَمَا أَخْرَجُوكُمْ مِنْهَا.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: {وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ}، وَالشِّرْكُ بِاللَّهِ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ. وَقَدْ بَيَّنْتُ فِيمَا مَضَى أَنَّ أَصْلَ " الْفِتْنَةِ " الِابْتِلَاءُ وَالِاخْتِبَارُ فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: وَابْتِلَاءُ الْمُؤْمِنِ فِي دِينِهِ حَتَّى يَرْجِعَ عَنْهُ فَيَصِيرَ مُشْرِكًا بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِسْلَامِهِ، أَشَدُّ عَلَيْهِ وَأَضَرُّ مِنْ أَنْ يُقْتَلَ مُقِيمًا عَلَى دِينِهِ مُتَمَسِّكًا عَلَيْهِ، مُحِقًّا فِيهِ. كَمَا: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى عَنِ ابْنِ أَبِي نُجَيْحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ: {وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ} قَالَ: ارْتِدَادُ الْمُؤْمِنِ إِلَى الْوَثَنِ أَشُدُّ عَلَيْهِ مِنَ الْقَتْلِ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ عَنِ ابْنِ أَبِي نُجَيْحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ: {وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ} يَقُولُ: الشِّرْكُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ مِثْلَهُ. حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارِ بْنِ الْحَسَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الرَّبِيعِ: {وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ} يَقُولُ: الشِّرْكُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو زُهَيْرٍ عَنْ جُوَيْبِرٍ عَنِ الضِّحَاكِ: {وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ} قَالَ: الشِّرْكُ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَثِيرٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: {وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ} قَالَ: الْفِتْنَةُ الشِّرْكُ. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ قَالَ: سَمِعْتُ الْفَضْلَ بْنَ خَالِدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنِ الضِّحَاكِ: {وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ} قَالَ: الشِّرْكُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ: {وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ} قَالَ: فِتْنَةُ الْكَفْرِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: والْقَرَأَةُ مُخْتَلِفَةٌ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ. فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ: {وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ} بِمَعْنَى: وَلَا تَبْتَدِئُوا- أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ- الْمُشْرِكِينَ بِالْقِتَالِ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يَبْدَأُوكُمْ بِهِ، فَإِنْ بَدَأُوكُمْ بِهِ هُنَاكَ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فِي الْحَرَمِ، فَاقْتُلُوهُمْ، فَإِنَّ اللَّهَ جَعَلَ ثَوَابَ الْكَافِرِينَ عَلَى كُفْرِهِمْ وَأَعْمَالِهِمُ السَّيِّئَةِ، الْقَتْلَ فِي الدُّنْيَا، وَالْخِزْيَ الطَّوِيلُ فِي الْآخِرَةِ، كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ: {وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ} كَانُوا لَا يُقَاتِلُونَ فِيهِ حَتَّى يُبْدَأُوا بِالْقِتَالِ، ثُمَّ نُسِخَ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَالَ: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ} حَتَّى لَا يَكُونَ شِرْكٌ {وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ} أَنْ يُقَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، عَلَيْهَا قَاتَلَ نَبِيُ اللَّهِ، وَإِلَيْهَا دَعَا. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمُنْهَالِ قَالَ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ: {وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ}، فَأَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا يُقَاتِلُهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَّا أَنْ يُبْدَأُوا فِيهِ بِقِتَالٍ، ثُمَّ نَسَخَ اللَّهُ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [سُورَةَ التَّوْبَةِ: 5] فَأَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ إِذَا انْقَضَى الْأَجَلُ أَنْ يُقَاتِلَهُمْ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ وَعِنْدَ الْبَيْتِ، حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ. حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارِ بْنِ الْحَسَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الرَّبِيعِ قَوْلَهُ: {وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ} فَكَانُوا لَا يُقَاتِلُونَهُمْ فِيهِ، ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بَعْدُ فَقَالَ: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ}. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هَذِهِ آيَةٌ مُحْكَمَةٌ غَيْرُ مَنْسُوخَةٍ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ عَنِ ابْنِ أَبِي نُجَيْحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ: {فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ} فِي الْحَرَمِ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ لَا تُقَاتِلْ أَحَدًا فِيهِ، فَمَنْ عَدَا عَلَيْكَ فَقَاتَلَكَ فَقَاتِلْهُ كَمَا يُقَاتِلُكَ. وَقَرَأَ ذَلِكَ عُظْمُ قُرَّاءِ الْكُوفِيِّينَ: " وَلَا تَقْتُلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامَ حَتَّى يَقْتُلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ " بِمَعْنَى: وَلَا تَبْدَأُوهُمْ بِقَتْلٍ حَتَّى يَبْدَأُوكُمْ بِهِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَمَّادٍ عَنْ أَبِي حَمَّادٍ عَنْ حَمْزَةَ الزَّيَّاتِ قَالَ: قُلْتُ لِلْأَعْمَشِ: أَرَأَيْتَ قِرَاءَتَكَ: " وَلَا تَقْتُلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يَقْتُلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ"، إِذَا قَتَلُوهُمْ كَيْفَ يَقْتُلُونَهُمْ؟ قَالَ: إِنَّ الْعَرَبَ إِذَا قُتِلَ مِنْهُمْ رَجُلٌ قَالُوا: " قُتِلْنَا"، وَإِذَا ضُرِبَ مِنْهُمْ رَجُلٌ قَالُوا: " ضُرِبْنَا ". قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى هَاتَيْنِ الْقِرَاءَتَيْنِ بِالصَّوَابِ، قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ: {وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ} لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ لَمْ يَأْمُرْ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ فِي حَالِ إِذَا قَاتَلَهُمُ الْمُشْرِكُونَ بِالِاسْتِسْلَامِ لَهُمْ حَتَّى يَقْتُلُوا مِنْهُمْ قَتِيلًا بَعْدَ مَا أُذِنَ لَهُ وَلَهُمْ بِقِتَالِهِمْ، فَتَكُونُ الْقِرَاءَةُ بِالْإِذْنِ بِقَتْلِهِمْ بَعْدَ أَنْ يَقْتُلُوا مِنْهُمْ، أَوْلَى مِنَ الْقِرَاءَةِ بِمَا اخْتَرْنَا. وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَمَعْلُومٌ أَنَّهُ قَدْ كَانَ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَذِنَ لَهُمْ بِقِتَالِهِمْ إِذَا كَانَ ابْتِدَاءُ الْقِتَالِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَبْلَ أَنْ يَقْتُلُوا مِنْهُمْ قَتِيلًا وَبَعْدَ أَنْ يَقْتُلُوا مِنْهُمْ قَتِيلًا. وَقَدْ نَسَخَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ هَذِهِ الْآيَةَ بِقَوْلِهِ: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ} وَقَوْلُهُ: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [سُورَةَ التَّوْبَةِ: 5] وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ. وَقَدْ ذَكَرْنَا بَعْضَ قَوْلِ مَنْ قَالَ هِيَ مَنْسُوخَةٌ، وَسَنَذْكُرُ قَوْلَ مَنْ حَضَرَنَا ذَكَرُهُ مِمَّنْ لَمَّ يُذْكَرْ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ: {وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ} قَالَ: نَسَخَهَا قَوْلُهُ: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ}. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: {وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ} قَالَ: حَتَّى يَبْدَأُوكُمْ، كَانَ هَذَا قَدْ حُرِّمَ فَأَحَلَّ اللَّهُ ذَلِكَ لَهُ، فَلَمْ يَزَلْ ثَابِتًا حَتَّى أَمَرَهُ اللَّهُ بِقِتَالِهِمْ بَعْدُ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِذَلِكَ: فَإِنِ انْتَهَى الْكَافِرُونَ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ عَنْ قِتَالِكُمْ وَكُفْرِهِمْ بِاللَّهِ، فَتَرَكُوا ذَلِكَ وَتَابُوا " فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ " لِذُنُوبِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ وَتَابَ مِنْ شِرْكِهِ، وَأَنَابَ إِلَى اللَّهِ مِنْ مَعَاصِيهِ الَّتِي سَلَفَتْ مِنْهُ وَأَيَّامِهِ الَّتِي مَضَتْ " رَحِيمٌ " بِهِ فِي آخِرَتِهِ بِفَضْلِهِ عَلَيْهِ، وَإِعْطَائِهِ مَا يُعْطِي أَهْلَ طَاعَتِهِ مِنَ الثَّوَابِ بِإِنَابَتِهِ إِلَى مَحَبَّتِهِ مِنْ مَعْصِيَتِهِ. كَمَا: حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ عَنِ ابْنِ أَبِي نُجَيْحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ: " فَإِنِ انْتَهَوْا " فَإِنْ تَابُوا " فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ".
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَقَاتَلُوا الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ يَعْنِي: حَتَّى لَا يَكُونَ شِرْكٌ بِاللَّهِ، وَحَتَّى لَا يُعَبِّدَ دُونَهُ أَحَدٌ، وَتَضْمَحِلَّ عِبَادَةُ الْأَوْثَانِ وَالْآلِهَةِ وَالْأَنْدَادِ، وَتَكُونَ الْعِبَادَةُ وَالطَّاعَةُ لِلَّهِ وَحْدَهُ دُونَ غَيْرِهِ مِنَ الْأَصْنَامِ وَالْأَوْثَانِ، كَمَا قَالَ قَتَادَةُ فِيمَا: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ} قَالَ: حَتَّى لَا يَكُونَ شِرْكٌ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ} قَالَ: حَتَّى لَا يَكُونَ شِرْكٌ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى عَنِ ابْنِ أَبِي نُجَيْحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ} قَالَ: الشِّرْكُ {وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ}. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ عَنِ ابْنِ أَبِي نُجَيْحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ. حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ عَنِ السُّدِّيِّ: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ} قَالَ: أَمَّا الْفِتْنَةُ فَالشِّرْكُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ}، يَقُولُ: قَاتَلُوا حَتَّى لَا يَكُونَ شِرْكٌ. حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارِ بْنِ الْحَسَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الرَّبِيعِ: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ} أَيْ شِرْكٌ. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ} قَالَ: حَتَّى لَا يَكُونَ كُفْرٌ، وَقَرَأَ {تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ} [سُورَةَ الْفَتْحِ: 16]. حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ} يَقُولُ: شِرْكٌ. وَأَمَّا " الدِّينُ"، الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ فَهُوَ الْعِبَادَةُ وَالطَّاعَةُ لِلَّهِ فِي أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ، مِنْ ذَلِكَ قَوْلُ الْأَعْشَى: هُوَ دَانَ الرِّبَابَ، إِذْ كَرِهُوا الدِّيـ *** ـنَ، دِرَاكًا بِغَزْوَةٍ وَصِيَالِ يَعْنِي بِقَوْلِهِ: " إِذْ كَرِهُوا الدِّينَ"، إِذْ كَرِهُوا الطَّاعَةَ وَأَبَوْهَا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارِ بْنِ الْحَسَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ: {وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ} يَقُولُ: حَتَّى لَا يُعْبَدَ إِلَّا اللَّهُ، وَذَلِكَ " لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ"، عَلَيْهِ قَاتَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِلَيْهِ دَعَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ فَقَدْ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا وَحِسَابِهِمْ عَلَى اللَّهِ». حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ: {وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ} أَنْ يُقَالَ: " لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ". ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ". ثُمَّ ذَكَرَ مَثَلَ حَدِيثِ الرَّبِيعِ».
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: {فَإِنِ انْتَهَوْا} فَإِنِ انْتَهَى الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ مِنَ الْكَفَّارِ عَنْ قِتَالِكُمْ، وَدَخَلُوا فِي مِلَّتِكُمْ، وَأَقَرُّوا بِمَا أَلْزَمَكُمُ اللَّهُ مِنْ فَرَائِضِهِ، وَتَرَكُوا مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ، فَدَعَوُا الِاعْتِدَاءَ عَلَيْهِمْ وَقِتَالَهُمْ وَجِهَادَهُمْ، فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَدَى إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ- وَهُمُ الْمُشْرِكُونَ بِاللَّهِ، وَالَّذِينَ تَرَكُوا عِبَادَتَهُ وَعَبَدُوا غَيْرَ خَالِقِهِمْ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَهَلْ يَجُوزُ الِاعْتِدَاءُ عَلَى الظَّالِمِ فَيُقَالُ: {فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ}؟. قِيلَ: إِنَّ الْمَعْنَى فِي ذَلِكَ عَلَى غَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي إِلَيْهِ ذَهَبْتَ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْمُجَازَاةِ، لِمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الِاعْتِدَاءِ، يَقُولُ: افْعَلُوا بِهِمْ مِثْلَ الَّذِي فَعَلُوا بِكُمْ، كَمَا يُقَالُ: " إِنْ تَعَاطَيْتَ مِنِّي ظُلْمًا تَعَاطَيْتُهُ مِنْكَ"، وَالثَّانِي لَيْسَ بِظُلْمٍ، كَمَا قَالَ عَمْرُو بْنُ شَأْسٍ الْأَسَدَيُّ: جَزَيْنَا ذَوِى الْعُدْوَانِ بِالْأَمْسِ قَرْضَهُمْ *** قِصَاصًا، سَواءً حَذْوَكَ النَّعْلَ بِالنَّعْلِ وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ نَظِيرَ قَوْلِهِ: {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} [سُورَةَ الْبَقَرَةِ: 15] وَ {فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ} [سُورَةَ التَّوْبَةِ: 79] وَقَدْ بَيَّنَّا وَجْهَ ذَلِكَ وَنَظَائِرَهُ فِيمَا مَضَى قَبْلُ. وَبِالَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ مِنَ التَّأْوِيلِ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ: {فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ} وَالظَّالِمُ الَّذِي أَبَى أَنْ يَقُولَ: " لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ". حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الرَّبِيعِ. {فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ} قَالَ: هُمُ الْمُشْرِكُونَ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ غِيَاثٍ قَالَ: سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: {فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ} قَالَ: هُمْ مَنْ أَبَى أَنْ يَقُولَ: " لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ". وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى قَوْلِهِ: {فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ} فَلَا تُقَاتِلْ إِلَّا مَنْ قَاتَلَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى عَنِ ابْنِ أَبِي نُجَيْحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ: {فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ} يَقُولُ: لَا تُقَاتِلُوا إِلَّا مَنْ قَاتَلَكُمْ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ عَنِ ابْنِ أَبِي نُجَيْحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ. حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ عَنِ السُّدِّيِّ قَالَ: {فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ} فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْعُدْوَانَ عَلَى الظَّالِمِينَ وَلَا عَلَى غَيْرِهِمْ، وَلَكِنْ يَقُولُ: اعتدُوا عَلَيْهِمْ بِمَثَلِ مَا اعْتَدَوْا عَلَيْكُمْ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: {فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ} لَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ: " فَإِنِ انْتَهَوْا " إِلَّا وَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُمْ لَا يَنْتَهُونَ إِلَّا بَعْضُهُمْ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: فَإِنِ انْتَهَى بَعْضُهُمْ، فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ مِنْهُمْ، فَأَضْمَرَ كَمَا قَالَ: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [سُورَةَ الْبَقَرَةِ: 196] يُرِيدُ: فَعَلَيْهِ مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ، وَكَمَا يَقُولُ: " إِلَى مَنْ تَقْصِدُ أَقْصِدُ " يَعْنِي: إِلَيْهِ. وَكَانَ بَعْضُهُمْ يُنْكِرُ الْإِضْمَارَ فِي ذَلِكَ وَيَتَأَوَلُهُ: فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ لِمَنِ انْتَهَى، وَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ الَّذِينَ لَا يَنْتَهُونَ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتِ قِصَاصٌ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ} ذَا الْقِعْدَةِ، وَهُوَ الشَّهْرُ الَّذِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتَمَرَ فِيهِ عُمْرَةَ الْحُدَيْبِيَةِ فَصَدَّهُ مُشْرِكُو أَهْلِ مَكَّةَ عَنِ الْبَيْتِ وَدُخُولِ مَكَّةَ سَنَةَ سِتٍّ مِنْ هِجْرَتِهِ، وَصَالَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُشْرِكِينَ فِي تِلْكَ السَّنَةِ، عَلَى أَنْ يَعُودَ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ، فَيَدْخُلَ مَكَّةَ وَيُقِيمَ ثَلَاثًا، فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ، وَذَلِكَ سَنَةَ سَبْعٍ مِنْ هِجْرَتِهِ، خَرَجَ مُعْتَمِرًا وَأَصْحَابُهُ فِي ذِي الْقَعْدَةِ- وَهُوَ الشَّهْرُ الَّذِي كَانَ الْمُشْرِكُونَ صَدُّوهُ عَنِ الْبَيْتِ فِيهِ فِي سَنَةِ سِتٍّ- وَأَخْلَى لَهُ أَهْلُ مَكَّةَ الْبَلَدَ حَتَّى دَخَلَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَضَى حَاجَتَهُ مِنْهَا، وَأَتَمَّ عُمْرَتَهُ، وَأَقَامَ بِهَا ثَلَاثًا، ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا مُنْصَرِفًا إِلَى الْمَدِينَةِ فَقَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِلْمُسْلِمِينَ مَعَهُ " الشَّهْرُ الْحَرَامُ " يَعْنِي ذَا الْقَعْدَةِ، الَّذِي أَوْصَلَكُمُ اللَّهُ فِيهِ إِلَى حَرَمِهِ وَبَيْتِهِ، عَلَى كَرَاهَةِ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ ذَلِكَ، حَتَّى قَضَيْتُمْ مِنْهُ وَطَرَّكُمْ {بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ}، الَّذِي صَدَّكُمْ مُشْرِكُو قُرَيْشٍ الْعَامَ الْمَاضِيَ قَبْلَهُ فِيهِ حَتَّى انْصَرَفْتُمْ عَنْ كُرْهٍ مِنْكُمْ عَنِ الْحَرَمِ، فَلَمْ تُدْخِلُوهُ، وَلَمْ تَصِلُوا إِلَى بَيْتِ اللَّهِ، فَأَقَصَّكُمْ اللَّهُ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ بِإِدْخَالِكُمُ الْحَرَمَ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ عَلَى كُرْهٍ مِنْهُمْ لِذَلِكَ، بِمَا كَانَ مِنْهُمْ إِلَيْكُمْ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ مِنَ الصَّدِّ وَالْمَنْعِ مِنَ الْوُصُولِ إِلَى الْبَيْتِ. كَمَا: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَزِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ- يَعْنِي: ابْنَ خَالِدٍ السَّمْتِيَّ- قَالَ: حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ مَالِكٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ} قَالَ: هُمُ الْمُشْرِكُونَ، حَبَسُوا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ، فَرَجَعَهُ اللَّهُ فِي ذِي الْقَعْدَةِ فَأَدْخُلُهُ الْبَيْتَ الْحَرَامَ فَاقْتَصَّ لَهُ مِنْهُمْ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى عَنِ ابْنِ أَبِي نُجَيْحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ} قَالَ: فَخَرَّتْ قُرَيْشٌ بِرَدِّهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ مُحْرِمًا فِي ذِي الْقَعْدَةِ عَنِ الْبَلَدِ الْحَرَامِ، فَأَدْخَلَهُ اللَّهُ مَكَّةَ فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ، فَقَضَى عُمْرَتَهُ، وَأَقَصَّهُ بِمَا حِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ عَنِ ابْنِ أَبِي نُجَيْحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ: {الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ} «أَقْبَلُ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ فَاعْتَمَرُوا فِي ذِي الْقَعْدَةِ وَمَعَهُمُ الْهَدْيُ، حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالْحُدَيْبِيَةَ صَدَّهُمُ الْمُشْرِكُونَ، فَصَالَحَهُمْ نَبِيُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنْ يَرْجِعَ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ، حَتَّى يَرْجِعَ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ فَيَكُونَ بِمَكَّةَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَا يُدْخِلَهَا إِلَّا بِسِلَاحِ رَاكِبٍ وَيَخْرُجُ، وَلَا يَخْرُجَ بِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ فَنَحَرُوا الْهَدْيَ بِالْحُدَيْبِيَةَ وَحَلَّقُوا وَقَصَّرُوا. حَتَّى إِذَا كَانَ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ، أَقْبَلَ نَبِيُ اللَّهِ وَأَصْحَابُهُ حَتَّى دَخَلُوا مَكَّةَ فَاعْتَمَرُوا فِي ذِي الْقَعْدَةِ، فَأَقَامُوا بِهَا ثَلَاثَ لَيَالٍ، فَكَانَ الْمُشْرِكُونَ قَدْ فَخَرُوا عَلَيْهِ حِينَ رَدُّوهُ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ فَأَقَصَّهُ اللَّهُ مِنْهُمْ، فَأَدْخَلَهُ مَكَّةَ فِي ذَلِكَ الشَّهْرِ الَّذِي كَانُوا رَدُّوهُ فِيهِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ، فَقَالَ اللَّهُ: {الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ}». حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ وَعَنْ عُثْمَانَ عَنْ مَقْسِمٍ فِي قَوْلِهِ: {الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ} قَالَ كَانَ هَذَا فِي سَفَرِ الْحُدَيْبِيَةِ صَدَّ الْمُشْرِكُونَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ عَنِ الْبَيْتِ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ، فَقَاضَوُا الْمُشْرِكِينَ يَوْمئِذٍ قَضِيَّةَ: أَنَّ لَكُمْ أَنْ تَعْتَمِرُوا فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ- فِي هَذَا الشَّهْرِ الَّذِي صَدُّوهُمْ فِيهِ، فَجَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لَهُمْ شَهْرًا حَرَامًا يَعْتَمِرُونَ فِيهِ، مَكَانَ شَهْرِهِمُ الَّذِي صُدُّوا، فَلِذَلِكَ قَالَ: {وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ}. حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ عَنِ السُّدِّيِّ: {الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ} قَالَ: لَمَّا اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُمْرَةَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي ذِي الْقِعْدَةِ سَنَةَ سِتٍّ مِنْ مُهَاجَرِهِ، صَدَّهُ الْمُشْرِكُونَ وَأَبَوْا أَنْ يَتْرُكُوهُ، ثُمَّ إِنَّهُمْ صَالَحُوهُ فِي صُلْحِهِمْ عَلَى أَنْ يُخْلُوا لَهُ مَكَّةَ مِنْ عَامِ قَابِلٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، يَخْرُجُونَ وَيَتْرُكُونَهُ فِيهَا، فَأَتَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ فَتْحِ خَيْبَرَ مِنَ السَّنَةِ السَّابِعَةِ، فَخَلَّوْا لَهُ مَكَّةَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَنَكَحَ فِي عُمْرَتِهِ تِلْكَمَيْمُونَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ الْهِلَالِيَّةَ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو زُهَيْرٍ عَنْ جُوَيْبِرٍ عَنِ الضِّحَاكِ فِي قَوْلِهِ: {الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ}، أَحْصَرُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ عَنْ الْبَيْتِ الْحَرَامِ فَأَدْخَلَهُ اللَّهُ الْبَيْتَ الْحَرَامَ الْعَامَ الْمُقْبِلَ، وَاقْتَصَّ لَهُ مِنْهُمْ، فَقَالَ: {الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ}. حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ قَالَ: «أَقْبَلَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ فَأَحْرَمُوا بِالْعُمْرَةِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ وَمَعَهُمُ الْهَدْيُ، حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالْحُدَيْبِيَةِ صَدَّهُمُ الْمُشْرِكُونَ، فَصَالَحَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَرْجِعَ ذَلِكَ الْعَامَ حَتَّى يَرْجِعَ الْعَامَ الْمُقْبِلَ، فَيُقِيمَ بِمَكَّةَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَا يَخْرُجَ مَعَهُ بِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ. فَنَحَرُوا الْهَدْيَ بِالْحُدَيْبِيَةِ وَحَلَّقُوا وَقَصَّرُوا. حَتَّى إِذَا كَانُوا مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ، أَقْبَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ حَتَّى دَخَلُوا مَكَّةَ فَاعْتَمَرُوا فِي ذِي الْقَعْدَةِ، وَأَقَامُوا بِهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ قَدْ فَخَرُوا عَلَيْهِ حِينَ رَدُّوهُ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ فَقَاصَّ اللَّهُ لَهُ مِنْهُمْ، وَأَدْخَلَهُ مَكَّةَ فِي ذَلِكَ الشَّهْرِ الَّذِي كَانُوا رَدُّوهُ فِيهِ فِي ذِي الْقِعْدَةِ. قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ}». حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ: {وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ} فَهُمُ الْمُشْرِكُونَ، كَانُوا حَبَسُوا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذِي الْقِعْدَةِ عَنِ الْبَيْتِ، فَفَخَرُوا عَلَيْهِ بِذَلِكَ، فَرَجَعَهُ اللَّهُ فِي ذِي الْقِعْدَةِ، فَأَدْخَلَهُ اللَّهُ الْبَيْتَ الْحَرَامَ وَاقْتَصَّ لَهُ مِنْهُمْ. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: {الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ} حَتَّى فَرَغَ مِنَ الْآيَةِ، قَالَ: هَذَا كُلُّهُ قَدْ نُسِخَ، أَمَرَهُ أَنْ يُجَاهِدَ الْمُشْرِكِينَ. وَقَرَأَ: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً} [سُورَةَ التَّوْبَةِ: 36] وَقَرَأَ: {قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ} [سُورَةَ التَّوْبَةِ: 123] الْعَرَبَ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهُمْ، قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ} حَتَّى بَلَغَ قَوْلَهُ: {وَهُمْ صَاغِرُونَ} [سُورَةَ التَّوْبَةِ: 29] قَالَ: وَهُمُ الرُّومُ. قَالَ: فَوَجَّهَ إِلَيْهِمْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: {الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ} قَالَ: أَمَرَكُمُ اللَّهُ بِالْقِصَاصِ، [وَيَأْخُذُ] مِنْكُمُ الْعُدْوَانَ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قَلْتُ لِعَطَاءٍ وَسَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِهِ: {الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ} قَالَ: نَزَلَتْ فِي الْحُدَيْبِيَةِ مُنِعُوا فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ، فَنَزَلَتْ: {الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ}: عُمْرَةٌ فِي شَهْرٍ حَرَامٍ، بِعُمْرَةٍ فِي شَهْرٍ حَرَامٍ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَإِنَّمَا سَمَّى اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ذَا الْقَعْدَةِ " الشَّهْرَ الْحَرَامَ"، لِأَنَّ الْعَرَبَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَانَتْ تُحَرِّمُ فِيهِ الْقِتَالَ وَالْقَتْلَ، وَتَضَعُ فِيهِ السِّلَاحَ، وَلَا يَقْتُلُ فِيهِ أَحَدٌ أَحَدًا، وَلَوْ لَقِيَ الرَّجُلُ قَاتِلَ أَبِيهِ أَوِ ابْنَهُ. وَإِنَّمَا كَانُوا سُمُوَّهُ " ذَا الْقَعْدَةِ " لِقُعُودِهِمْ فِيهِ عَنِ الْمُغَازِي وَالْحُرُوبِ، فَسَمَّاهُ اللَّهُ بِالِاسْمِ الَّذِي كَانَتِ الْعَرَبُ تُسَمِّيهِ بِهِ. وَأَمَّا " الْحُرُمَاتُ " فَإِنَّهَا جَمْعُ " حُرْمَةٍ"، " كَالظُّلُمَاتِ " جَمْعُ " ظَلَمَةٍ"، " وَالْحُجُرَاتِ " جَمْعُ " حُجْرَةٍ ". وَإِنَّمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ} فَجَمَعَ، لِأَنَّهُ أَرَادَ: الشَّهْرَ الْحَرَامَ، وَالْبَلَدَ الْحَرَامَ وَحُرْمَةَ الْإِحْرَامِ. فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيهِ مُحَمَّدٍ وَالْمُؤْمِنِينَ مَعَهُ: دُخُولُكُمُ الْحَرَمَ، بِإِحْرَامِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا الْحَرَامِ قِصَاصٌ مِمَّا مُنِعْتُمْ مِنْ مَثَلِهِ عَامَكُمُ الْمَاضِيَ، وَذَلِكَ هُوَ " الْحُرُمَاتُ " الَّتِي جَعَلَهَا اللَّهُ قِصَاصًا. وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ " الْقِصَاصَ " هُوَ الْمُجَازَاةَ مِنْ جِهَةِ الْفِعْلِ أَوِ الْقَوْلِ أَوِ الْبَدَنِ، وَهُوَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مِنْ جِهَةِ الْفِعْلِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمَثَلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِيمَا نَزَلَ فِيهِ قَوْلُهُ: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمَثَلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ}. فَقَالَ بَعْضُهُمْ بِمَا: حَدَّثَنِي بِهِ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمَثَلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} فَهَذَا وَنَحْوُهُ نَزَلَ بِمَكَّةَ وَالْمُسْلِمُونَ يَوْمئِذٍ قَلِيلٌ، وَلَيْسَ لَهُمْ سُلْطَانٌ يَقْهَرُ الْمُشْرِكِينَ، وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يَتَعَاطَوْنَهُمْ بِالشَّتْمِ وَالْأَذَى، فَأَمَرَ اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ؛ مَنْ يُجَازِي مِنْهُمْ أَنْ يُجَازِيَ بِمِثْلِ مَا أُتِيَ إِلَيْهِ أَوْ يَصْبِرَ أَوْ يَعْفُوَ فَهُوَ أَمْثَلُ فَلَمَّا هَاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَأَعَزَّ اللَّهُ سُلْطَانَهُ أَمْرَ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَنْتَهُوا فِي مَظَالِمِهِمْ إِلَى سُلْطَانِهِمْ، وَأَنْ لَا يَعْدُوَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ كَأَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: فَمَنْ قَاتَلَكُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَقَاتَلُوهُمْ كَمَا قَاتَلُوكُمْ. وَقَالُوا: أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ وَبَعْدَ عُمْرَةِ الْقَضِيَّةِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قَالَ مُجَاهِدٌ: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمَثَلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} فَقَاتَلُوهُمْ فِيهِ كَمَا قَاتَلُوكُمْ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَشْبَهُ التَّأْوِيلَيْنِ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ الْآيَةِ، الَّذِي حُكِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ لِأَنَّ الْآيَاتِ قَبْلَهَا إِنَّمَا هِيَ أَمْرٌ مِنَ اللَّهِ لِلْمُؤْمِنِينَ بِجِهَادِ عَدُّوِهُمْ عَلَى صِفَةٍ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ} وَالْآيَاتُ بَعْدَهَا، وَقَوْلُهُ: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ} إِنَّمَا هُوَ فِي سِيَاقِ الْآيَاتِ الَّتِي فِيهَا الْأَمْرُ بِالْقِتَالِ وَالْجِهَادِ، وَاللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ إِنَّمَا فَرَضَ الْقِتَالَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ. فَمَعْلُومٌ بِذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمَثَلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} مَدَنِيٌّ لَا مَكِّيٌّ، إِذْ كَانَ فُرِضُ قِتَالٌ الْمُشْرِكِينَ لَمْ يَكُنْ وَجَبَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ بِمَكَّةَ وَأَنَّ قَوْلَهُ: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمَثَلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} نَظِيرُ قَوْلِهِ: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ} وَأَنَّ مَعْنَاهُ: فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فِي الْحَرَمِ فَقَاتَلَكُمْ فَاعْتَدُوْا عَلَيْهِ بِالْقِتَالِ نَحْوَ اعْتِدَائِهِ عَلَيْكُمْ بِقِتَالِهِ إِيَّاكُمْ، لِأَنِّي قَدْ جَعَلْتُ الْحُرُمَاتِ قِصَاصًا، فَمَنِ اسْتَحَلَّ مِنْكُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ حُرْمَةً فِي حَرَمِي، فَاسْتَحْلَوْا مِنْهُ مِثْلَهُ فِيهِ. وَهَذِهِ الْآيَةُ مَنْسُوخَةٌ بِإِذْنِ اللَّهِ لِنَبِيِّهِ بِقِتَالِ أَهْلِ الْحَرَمِ ابْتِدَاءً فِي الْحَرَمِ وَقَوْلِهِ: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً} [سُورَةَ التَّوْبَةِ: 36]. عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَّرْنَا، مِنْ أَنَّهُ بِمَعْنَى: الْمُجَازَاةِ وَإِتْبَاعِ لَفْظٍ لَفْظًا، وَإِنِ اخْتَلَفَ مَعْنَيَاهُمَا، كَمَا قَالَ: {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ} [سُورَةَ آلِ عِمْرَانَ: 54] وَقَدْ قَالَ: {فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ} [سُورَةَ التَّوْبَةِ: 79] وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا أُتْبِعَ لَفْظٌ لَفْظًا وَاخْتَلَفَ الْمَعْنَيَانِ. وَالْآخَرُ: أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى " الْعَدْوِ " الَّذِي هُوَ شَدٌّ وَوُثُوبٌ. مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: " عَدَا الْأَسَدُ عَلَى فَرِيسَتِهِ ". فَيَكُونُ مَعْنَى الْكَلَامِ: فَمَنْ عَدَا عَلَيْكُمْ- أَيْ فَمِنْ شَدَّ عَلَيْكُمْ وَوَثَبَ- بِظُلْمٍ، فَاعْدُوَا عَلَيْهِ- أَيْ فَشُدُّوا عَلَيْهِ وَثِبُوا نَحْوَهُ- قِصَاصًا لِمَا فَعَلَ عَلَيْكُمْ لَا ظُلْمًا. ثُمَّ تُدْخَلُ " التَّاءُ " " فِي عَدَا"، فَتُقَالُ: " افْتَعَلَ " مَكَانَ " فَعَلَ"، كَمَا يُقَالُ: " اقْتَرَبَ هَذَا الْأَمْرُ " بِمَعْنَى " قُرُبَ"، وَ " اجْتَلَبَ كَذَلِكَ " بِمَعْنَى " جَلْبَ " وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِذَلِكَ: وَاتَّقَوُا اللَّهَ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ فِي حُرُمَاتِهِ وَحُدُودِهِ أَنْ تَعْتَدُوا فِيهَا، فَتَتَجَاوَزُوا فِيهَا مَا بَيَّنَهُ وَحَدَّهُ لَكُمْ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ، الَّذِينَ يَتَّقُونَهُ بِأَدَاءِ فَرَائِضِهِ وَتَجَنُّبِ مَحَارِمِهِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ هَذِهِ الْآيَةِ، وَمَنْ عَنَى بِقَوْلِهِ: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَنَى بِذَلِكَ: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ}- وَسَبِيلُ اللَّهِ " طَرِيقُهُ الَّذِي أَمَرَ أَنْ يُسَلِّكَ فِيهِ إِلَى عَدُوِّهِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ لِجِهَادِهِمْ وَحَرْبِهِمْ {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}- يَقُولُ: وَلَا تَتْرُكُوا النَّفَقَةَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَإِنَّ اللَّهَ يُعَوِّضُكُمْ مِنْهَا أَجْرًا وَيَرْزُقُكُمْ عَاجِلًا.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ سَلَّمُ بْنُ جُنَادَةَ وَالْحُسْنُ بْنُ عَرَفَةَ قَالَا حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ حُذَيْفَةَ: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} قَالَ: يَعْنِي فِي تَرْكِ النَّفَقَةِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ وَحَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ شُعْبَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ حُذَيْفَةَ وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ خَلَفٍ الْعَسْقَلَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ عَنِ الْأَعْمَشِ وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَاصِمٍ جَمِيعًا، عَنْ شَقِيقٍ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: هُوَ تَرْكُ النَّفَقَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} قَالَ: تُنْفِقُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَكَ إِلَّا مِشْقَصٌ- أَوْ: سَهْمٌ- شُعْبَةُ الَّذِي يَشُكُّ فِي ذَلِكَ. حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ الَّذِي كَانَ يُحَدِّثُ عَنْهُ الْكَلْبِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكَ إِلَّا سَهْمٌ أَوْ مِشْقَصٌ أَنْفَقَتَهُ. حَدَّثَنِي ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} قَالَ: فِي النَّفَقَةِ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حكام عَنِ عَمْرِو بْنِ أَبِي قَيْسٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}، قَالَ: لَيْسَ التَّهْلُكَةُ أَنْ يُقْتَلَ الرَّجُلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَلَكِنَّ الْإِمْسَاكَ عَنِ النَّفَقَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: نَزَلَتْ فِي النَّفَقَاتِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، يَعْنِي قَوْلَهُ: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}. حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو صَخْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعَّبٍَ الْقُرَظِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} قَالَ: كَانَ الْقَوْمُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَيَتَزَوَّدُ الرَّجُلُ، فَكَانَ أَفْضَلَ زَادًا مِنَ الْآخَرِ. أَنْفَقَ الْبَائِسُ مِنْ زَادِهِ حَتَّى لَا يَبْقَى مَنْ زَادِهِ شَيْءٌ، أَحَبَّ أَنَّ يُوَاسِيَ صَاحِبَهُ، فأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ خَلَفٍ الْعَسْقَلَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ: حَدَّثَنَا شَيَّبَانُ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ مَوْلَى أَمِّ هَانِئٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} قَالَ: لَا يَقُولُنَّ أَحَدُكُمْ إِنِّي لَا أَجِدُ شَيْئًا، إِنْ لَمْ يَجِدْ إِلَّا مِشْقَصًا فَلْيَتَجَهَّزْ بِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى الصَّنْعَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ قَالَ: سَمِعْتُ دَاوُدَ- يَعْنِي: ابْنَ أَبِي هِنْدٍ- عَنْ عَامِرٍ: أَنَّ الْأَنْصَارَ كَانَ احْتُبِسَ عَلَيْهِمْ بَعْضُ الرِّزْقِ، وَكَانُوا قَدْ أَنْفَقُوا نَفَقَاتٍ، قَالَ: فَسَاءَ ظَنُّهُمْ وَأَمْسَكُوا. قَالَ: فأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَأَنْفَقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} قَالَ: وَكَانَتِ التَّهْلُكَةُ سُوءَ ظَنِّهِمْ وَإِمْسَاكِهِمْ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ عَنِ ابْنِ أَبِي نُجَيْحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} قَالَ: تَمْنَعُكُمْ نَفَقَةً فِي حِقٍّ خِيفَةُ الْعَيْلَةِ. حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} قَالَ: وَكَانَ قَتَادَةُ يُحَدِّثُ أَنَّ الْحَسَنَ حَدَّثَهُ-: أَنَّهُمْ كَانُوا يُسَافِرُونَ وَيَغْزُونَ وَلَا يُنْفِقُونَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ أَوْ قَالَ: وَلَا يُنْفِقُونَ فِي ذَلِكَ فَأَمَرَهُمُ اللَّهُ أَنْ يُنْفِقُوا فِي مَغَازِيهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} يَقُولُ: لَا تُمْسِكُوا بِأَيْدِيكُمْ عَنِ النَّفَقَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ عَنِ السُّدِّيِّ: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} أَنْفِقْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَوْ عِقَالًا {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}- تَقُولُ: لَيْسَ عِنْدِي شَيْءٌ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا خَصِيفٌ عَنْ عِكْرِمَةَ فِي قَوْلِهِ: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} قَالَ: لَمَّا أَمَرَ اللَّهُ بِالنَّفَقَةِ، فَكَانُوا- أَوْ بَعْضَهُمْ- يَقُولُونَ: نُنْفِقُ فَيَذْهَبُ مَالُنَا وَلَا يَبْقَى لَنَا شَيْءٌ! قَالَ: فَقَالَ: أَنْفِقُوا وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ، قَالَ: أَنْفَقُوا وَأَنَا أُرْزَقُكُمْ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ عَنْ يُونُسَ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: نَزَلَتْ فِي النَّفَقَةِ. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ هَمَّامٍ الْأَهْوَازِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنِ الْحَسَنِ فِي " التَّهْلُكَةِ " قَالَ: أَمَرَهُمُ اللَّهُ بِالنَّفَقَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ تَرْكَ النَّفَقَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ التَّهْلُكَةُ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: سَأَلْتُ عَطَاءً عَنْ قَوْلِهِ: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} قَالَ: يَقُولُ: أَنْفَقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا قَلَّ وَكَثُرَ- قَالَ: وَقَالَ لِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَثِيرٍ: نَزَلَتْ فِي النَّفَقَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَا يَقُولَنَّ الرَّجُلُ لَا أَجِدُ شَيْئًا! قَدْ هَلَكْتُ! فَلْيَتَجَهَّزْ وَلَوْ بِمِشْقَصٍ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِى عَمِّي، قَالَ: حَدَّثَنِى أَبِي، عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} يَقُولُ: أَنْفَقُوا مَا كَانَ مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ. وَلَا تَسْتَسْلِمُوا وَلَا تُنْفِقُوا شَيْئًا فَتَهْلَكُوا. حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو زُهَيْرٍ عَنْ جُوَيْبِرٍ عَنِ الضِّحَاكِ قَالَ: " التَّهْلُكَةُ ": أَنْ يُمْسِكَ الرَّجُلُ نَفْسَهُ وَمَالَهُ عَنِ النَّفَقَةِ فِي الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ عَنْ يُونُسَ عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}، فَتَدَعُوا النَّفَقَةَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. وَقَالَ آخَرُونَ مِمَّنْ وَجَّهُوا تَأْوِيلَ ذَلِكَ إِلَى أَنَّهُ مَعْنِيَّةٌ بِهِ النَّفَقَةُ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَأَنْفَقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ، فَتَخْرُجُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ نَفَقَةٍ وَلَا قُوَّةٍ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} قَالَ: إِذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَكَ مَا تُنْفِقُ، فَلَا تَخْرُجُ بِنَفْسِكَ بِغَيْرِ نَفَقَةٍ وَلَا قُوَّةٍ: فَتُلْقِي بِيَدَيْكَ إِلَى التَّهْلُكَةِ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَاهُ: أَنْفَقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ- فِيمَا أَصَبْتُمْ مِنَ الْآثَامِ- إِلَى التَّهْلُكَةِ، فَتَيْأَسُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ، وَلَكِنِ ارْجُوا رَحْمَتَهُ وَاعْمَلُوا الْخَيِّرَاتِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْمُحَارِبِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ فِي قَوْلِهِ: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} قَالَ: هُوَ الرَّجُلُ يُصِيبُ الذُّنُوبَ فَيُلْقِي بِيَدِهِ إِلَى التَّهْلُكَةِ، يَقُولُ: لَا تَوْبَةَ لِي. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: سَأَلَهُ رَجُلٌ: أَحْمِلُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ وَحْدِي فَيَقْتُلُونِي، أَكُنْتُ أَلْقَيْتُ بِيَدِي إِلَى التَّهْلُكَةِ؟ فَقَالَ: لَا إِنَّمَا التَّهْلُكَةُ فِي النَّفَقَةِ. بَعَثَ اللَّهُ رَسُولَهُ، فَقَالَ: {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ} [سُورَةَ النِّسَاءِ: 84]. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ وَابْنُ وَكِيعٍ قَالَا حَدَّثَنَا وَكِيعُ بْنُ الْجِرَاحِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} قَالَ: هُوَ الرَّجُلُ يُذْنِبُ الذَّنْبَ فَيَقُولُ: لَا يَغْفِرُ اللَّهُ لَهُ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ وَسَأَلَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا أَبَا عِمَارَةَ أَرَأَيْتَ قَوْلَ اللَّهِ: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}، أَهُوَ الرَّجُلُ يَتَقَدَّمُ فَيُقَاتِلُ حَتَّى يُقْتَلَ؟ قَالَ: لَا وَلَكِنَّهُ الرَّجُلُ يَعْمَلُ بِالْمَعَاصِي، ثُمَّ يُلْقِي بِيَدِهِ وَلَا يَتُوبُ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ وَسَأَلَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: الرَّجُلُ يَحْمِلُ عَلَى كَتِيبَةٍ وَحْدَهُ فَيُقَاتِلُ، أَهُوَ مِمَّنْ أَلْقَى بِيَدِهِ إِلَى التَّهْلُكَةِ؟ فَقَالَ: لَا وَلَكِنَّ التَّهْلُكَةَ أَنْ يُذْنِبَ الذَّنْبَ فَيُلْقِي بِيَدِهِ، فَيَقُولُ: لَا تَقْبَلُ لِي تَوْبَةٌ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حكام عَنِ الْجَرَّاحِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: قُلْتُ لِلْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ: يَا أَبَا عِمَارَةَ الرَّجُلُ يَلْقَى أَلْفًا مِنَ الْعَدْوِ فَيَحْمِلُ عَلَيْهِمْ، وَإِنَّمَا هُوَ وَحْدَهُ، أَيَكُونُ مِمَّنْ قَالَ: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}؟ فَقَالَ: لَا لِيُقَاتِلْ حَتَّى يُقْتَلَ! قَالَ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ}. حَدَّثَنَا مُجَاهِدُ بْنُ مُوسَى قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ قَالَ: أَخْبَرَنَا هُشَامٌ وَحَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ هُشَامٍ عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ: وَسَأَلْتُ عُبَيْدَةَ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} الْآيَةَ. فَقَالَ عُبَيْدَةُ: كَانَ الرَّجُلُ يُذْنِبُ الذَّنْبَ- قَالَ: حَسِبْتُهُ قَالَ: الْعَظِيمَ- فَيُلْقِي بِيَدِهِ فَيَسْتَهْلِكُ زَادَ يَعْقُوبُ فِي حَدِيثِهِ: فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ، فَقِيلَ: {أَنْفَقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا هُشَامٌ عَنِ ابْنِ سَيْرَيْنَ قَالَ: سَأَلْتُ عُبَيْدَةَ السَّلْمَانِيَّ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: هُوَ الرَّجُلُ يُذْنِبُ الذَّنْبَ فَيَسْتَسْلِمُ، وَيُلْقِي بِيَدِهِ إِلَى التَّهْلُكَةِ، وَيَقُولُ: لَا تَوْبَةَ لَهُ! يَعْنِي قَوْلَهُ: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَيُّوبُ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ عُبَيْدَةَ فِي قَوْلِهِ: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ يُصِيبُ الذَّنْبَ فَيُلْقِي بِيَدِهِ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ عَنِ ابْنِ سَيْرَيْنَ عَنْ عُبَيْدَةَ: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} قَالَ: الْقُنُوطُ. حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ عَنْ يُونُسَ وَهُشَامٍ عَنِ ابْنِ سَيْرَيْنَ عَنْ عُبَيْدَةَ السَّلْمَانِيِّ قَالَ: هُوَ الرَّجُلُ يُذْنِبُ الذَّنْبَ فَيَسْتَسْلِمُ، يَقُولُ: لَا تَوْبَةَ لِي! فَيُلْقِي بِيَدِهِ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ قَالَ: حَدَّثَنِي أَيُّوبُ عَنِ ابْنِ سَيْرَيْنَ عَنْ عُبَيْدَةَ أَنَّهُ قَالَ: هِيَ فِي الرَّجُلِ يُصِيبُ الذَّنْبَ الْعَظِيمَ فَيُلْقِي بِيَدِهِ، وَيَرَى أَنَّهُ قَدْ هَلَكَ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: وَأَنْفَقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَلَا تَتْرُكُوا الْجِهَادَ فِي سَبِيلِهِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي حَيْوَةُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَسْلَمَ أَبِي عِمْرَانَ قَالَ: غَزَوْنَا الْمَدِينَةَ يُرِيدُ الْقُسْطَنْطِينِيَّةَ وَعَلَى أَهْلِ مِصْرَ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ وَعَلَى الْجَمَاعَةِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ. قَالَ: فَصُفِفْنَا صَفَّيْنِ لَمْ أَرَ صَفَّيْنِ قَطُّ أَعْرَضَ وَلَا أَطْوَلَ مِنْهُمَا وَالرُّومُ مُلْصِقُونَ ظُهُورَهُمْ بِحَائِطِ الْمَدِينَةِ قَالَ: فَحَمَلَ رَجُلٌ مِنَّا عَلَى الْعَدْوِ، فَقَالَ النَّاسُ: مَهْ! لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، يُلْقِي بِيَدِهِ إِلَى التَّهْلُكَةِ! قَالَ أَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ: إِنَّمَا تَتَأَوَّلُونَ هَذِهِ الْآيَةَ هَكَذَا، أَنْ حَمَلَ رَجُلٌ يُقَاتِلُ يَلْتَمِسُ الشَّهَادَةَ، أَوْ يُبْلِي مِنْ نَفْسِهِ! إِنَّمَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِينَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ! إِنَّا لَمَّا نَصَرَ اللَّهُ نَبِيَهُ وَأَظْهَرَ الْإِسْلَامَ، قُلْنَا بَيْنَنَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ خَفْيًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّا قَدْ كُنَّا تَرْكَنَا أَهْلَنَا وَأَمْوَالَنَا أَنْ نُقِيمَ فِيهَا وَنُصْلِحَهَا حَتَّى نَصَرَ اللَّهُ نَبِيَهُ، هَلُمَّ نُقِيمُ فِي أَمْوَالِنَا وَنُصْلِحُهَا! فأَنْزَلَ اللَّهُ الْخَبَرَ مِنَ السَّمَاءِ: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} الْآيَةَ، فَالْإِلْقَاءُ بِالْأَيْدِي إِلَى التَّهْلُكَةِ: أَنْ نُقِيمَ فِي أَمْوَالِنَا وَنُصْلِحَهَا، وَنَدَعَ الْجِهَادَ. قَالَ أَبُو عِمْرَانَ: فَلَمْ يَزَلْ أَبُو أَيُّوبَ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى دُفِنَ بِالْقُسْطَنْطِينِيَّةِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عِمَارَةَ الْأَسَدِيُّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي زِيَادٍ قَالَا حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ قَالَ: أَخْبَرَنِي حَيْوَةُ وَابْنُ لَهِيعَةَ قَالَا حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَسْلَمُ أَبُو عِمْرَانَ مَوْلَى تُجِيبَ قَالَ: كُنَّا بِالْقُسْطَنْطِينِيَّةِ وَعَلَى أَهْلِ مِصْرَ عَقَبَةُ بْنُ عَامِرٍ الْجُهَنِيُّ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَلَى أَهْلِ الشَّامِ فَضَالَّةُ بْنُ عُبَيْدٍ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَخَرَجَ مِنْ الْمَدِينَةِ صَفٌّ عَظِيمٌ مِنَ الرُّومِ قَالَ: وَصُفِفْنَا صَفًّا عَظِيمًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَحَمْلَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى صَفِّ الرُّومِ حَتَّى دَخَلَ فِيهِمْ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَيْنَا مُقْبِلًا فَصَاحَ النَّاسُ وَقَالُوا: سُبْحَانَ اللَّهُ! أَلْقَى بِيَدِهِ إِلَى التَّهْلُكَةِ! فَقَامَ أَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ تَتَأَوَّلُونَ هَذِهِ الْآيَةَ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ! وَإِنَّمَا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِينَا مُعَاشِرَ الْأَنْصَارِ! إِنَّا لَمَّا أَعَزَّ اللَّهُ دِينَهُ وَكَثَّرَ نَاصِرِيهِ، قُلْنَا فِيمَا بَيْنَنَا بَعْضُنَا لِبَعْضٍ سِرًّا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ: إِنْ أَمْوَالَنَا قَدْ ضَاعَتْ، فَلَوْ أَنَّا أَقَمْنَا فِيهَا، فَأَصْلَحْنَا مَا ضَاعَ مِنْهَا! فأَنْزَلَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ يَرُدُّ عَلَيْنَا مَا هَمَمْنَا بِهِ، فَقَالَ: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} بِالْإِقَامَةِ الَّتِي أَرَدْنَا أَنْ نُقِيمَ فِي الْأَمْوَالِ وَنُصْلِحَهَا، فَأُمِرْنَا بِالْغَزْوِ. فَمَا زَالَ أَبُو أَيُّوبَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَمَرَ بِالْإِنْفَاقِ فِي سَبِيلِهِ بِقَوْلِهِ: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ}- وَسَبِيلُهُ: طَرِيقُهُ الَّذِي شَرَعَهُ لِعِبَادِهِ وَأَوْضَحَهُ لَهُمْ. وَمَعْنَى ذَلِكَ: وَأَنْفَقُوا فِي إِعْزَازِ دِينَيِ الَّذِي شَرَعْتُهُ لَكُمْ، بِجِهَادِ عَدُوِّكُمُ النَّاصِبِينَ لَكُمُ الْحَرْبَ عَلَى الْكُفْرِ بِي، وَنَهَاهُمْ أَنْ يُلْقُوا بِأَيْدِيهمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ، فَقَالَ: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}. وَذَلِكَ مَثَلٌ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ لِلْمُسْتَسْلِمِ لِلْأَمْرِ: " أَعْطَى فُلَانٌ بِيَدَيْهِ"، وَكَذَلِكَ يُقَالُ لِلْمُمْكِنِ مِنْ نَفْسِهِ مِمَّا أُرِيدَ بِهِ: " أَعْطَى بِيَدَيْهِ ". فَمَعْنَى قَوْلِهِ: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}، وَلَا تَسْتَسْلِمُوا لِلْهِلْكَةِ، فَتُعْطُوهَا أَزِمَّتَكُمْ فَتَهْلَكُوا. وَالتَّارِكُ النَّفَقَةَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عِنْدَ وُجُوبِ ذَلِكَ عَلَيْهِ، مُسْتَسْلِمٌ لِلْهِلْكَةِ بِتَرْكِهِ أَدَاءَ فَرْضِ اللَّهِ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ. وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ جَعَلَ أَحَدَ سِهَامِ الصَّدَقَاتِ الْمَفْرُوضَاتِ الثَّمَانِيَةِ " فِي سَبِيلِهِ"، فَقَالَ: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} إِلَى قَوْلِهِ: {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [سُورَةَ التَّوْبَةِ: 60] فَمَنْ تَرَكَ إِنْفَاقَ مَا لَزِمَهُ مِنْ ذَلِكَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَلَى مَا لَزِمَهُ، كَانَ لِلْهِلْكَةِ مُسْتَسْلِمًا، وَبِيَدَيْهِ لِلتَّهْلُكَةِ مُلْقِيًا. وَكَذَلِكَ الْآيِسُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ لِذَنْبٍ سَلَفَ مِنْهُ، مُلْقٍ بِيَدَيْهِ إِلَى التَّهْلُكَةِ، لِأَنَّ اللَّهَ قَدْ نَهَى عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: {وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [سُورَةَ يُوسُفَ: 87]. وَكَذَلِكَ التَّارِكُ غَزْوَ الْمُشْرِكِينَ وَجِهَادَهُمْ، فِي حَالِ وُجُوبِ ذَلِكَ عَلَيْهِ، فِي حَالِ حَاجَةِ الْمُسْلِمِينَ إِلَيْهِ، مُضَيِّعٌ فَرْضًا، مُلْقٍ بِيَدِهِ إِلَى التَّهْلُكَةِ. فَإِذْ كَانَتْ هَذِهِ الْمَعَانِي كُلُّهَا يَحْتَمِلُهَا قَوْلُهُ: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} وَلَمْ يَكُنِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ خَصَّ مِنْهَا شَيْئًا دُونَ شَيْءٍ، فَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ نَهَى عَنِ الْإِلْقَاءِ بِأَيْدِينَا لِمَا فِيهِ هَلَاكُنَا، وَالِاسْتِسْلَامُ لِلْهِلْكَةِ- وَهِيَ الْعَذَابُ- بِتَرْكِ مَا لَزِمَنَا مِنْ فَرَائِضِهِ، فَغَيْرُ جَائِزٍ لِأَحَدٍ مِنَّا الدُّخُولُ فِي شَيْءٍ يَكْرَهُهُ اللَّهُ مِنَّا، مِمَّا نَسْتَوْجِبُ بِدُخُولِنَا فِيهِ عَذَابَهُ. غَيْرَ أَنَّ الْأَمْرَ وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ الْأَغْلَبَ مِنْ تَأْوِيلِ الْآيَةِ: وَأَنْفَقُوا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَلَا تَتْرُكُوا النَّفَقَةَ فِيهَا، فَتَهْلَكُوا بِاسْتِحْقَاقِكُمْ- بِتَرْكِكُمْ ذَلِكَ- عَذَابِي. كَمَا: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} قَالَ: التَّهْلُكَةُ عَذَابُ اللَّهِ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَيَكُونُ ذَلِكَ إِعْلَامًا مِنْهُ لَهُمْ- بَعْدَ أَمْرِهِ إِيَّاهُمْ بِالنَّفَقَةِ- مَا لِمَنْ تَرَكَ النَّفَقَةَ الْمَفْرُوضَةَ عَلَيْهِ فِي سَبِيلِهِ، منَ الْعُقُوبَةِ فِي الْمَعَادِ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَمَاوَجْهُ إِدْخَالِ الْبَاءِ فِي قَوْلِهِ: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ}، وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ الْمَعْرُوفَ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ: " أَلْقَيْتُ إِلَى فُلَانٍ دِرْهَمًا"، دُونَ " أَلْقَيْتُ إِلَى فُلَانٍ بِدِرْهَمٍ "؟ قِيلَ: قَدْ قِيلَ إِنَّهَا زِيدَتْ نَحْوَ زِيَادَةِ الْقَائِلِ: " الْبَاءُ " فِي قَوْلِهِ: {جَذَبْتُ بِالثَّوْبِ، وَجَذَبْتُ الثَّوْبَ " " وَتَعَلَّقْتُ بِهِ وتَعلَّقْتَهُ"، وَ {تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ} [سُورَةَ الْمُؤْمِنُونَ: 20] وَإِنَّمَا هُوَ: تُنْبِتُ الدُّهْنَ. وَقَالَ آخَرُونَ: " الْبَاءُ " فِي قَوْلِهِ: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ} أَصْلٌ لِلْكُنْيَةِ لِأَنَّ كُلَّ فِعْلٍ وَاقِعٍ كُنِيَ عَنْهُ فَهُوَ مُضْطَرٌّ إِلَيْهَا نَحْوَ قَوْلِكَ فِي رَجُلٍ " كَلَّمْتَهُ " فَأَرَدْتَ الْكِنَايَةَ عَنْ فِعْلِهِ، فَإِذَا أَرَدْتَ ذَلِكَ قُلْتَ: " فَعَلْتُ بِهِ " قَالُوا: فَلَمَّا كَانَ " الْبَاءُ " هِيَ الْأَصْلُ، جَازَ إِدْخَالُ " الْبَاءِ " وَإِخْرَاجُهَا فِي كُلِّ " فِعْلٍ " سَبِيلُهُ سَبِيلُ كُنْيَتِهِ. وَأَمَّا " التَّهْلُكَةُ " فَإِنَّهَا " التَّفْعُلَةُ " مِنَ " الْهَلَاكِ ".
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: {وَأَحْسِنُوا " أَحْسِنُوا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ فِي أَدَاءِ مَا أَلْزَمْتُكُمْ مِنْ فَرَائِضِي، وَتَجَنُّبِ مَا أَمَرْتُكُمْ بِتَجَنُّبِهِ مِنْ مَعَاصِيَّ، وَمِنَ الْإِنْفَاقِ فِي سَبِيلِي، وَعَوْدِ الْقَوِيِّ مِنْكُمْ عَلَى الضَّعِيفِ ذِي الْخَلَّةِ فَإِنِّي أُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ فِي ذَلِكَ كَمَا: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ رَجُلٍ مِنَ الصَّحَابَةِ فِي قَوْلِهِ: {وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} قَالَ: أَدَاءُ الْفَرَائِضِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: أَحْسِنُوا الظَّنَّ بِاللَّهِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ عَنِ الْحَكَمِ بْنِ أَبَانَ عَنْ عِكْرِمَةَ: {وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}: قَالَ: أَحْسِنُوا الظَّنَّ بِاللَّهِ، يَبِرُّكُمْ. وَقَالَ آخَرُونَ: أَحْسِنُوا بِالْعَوْدِ عَلَى الْمُحْتَاجِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: {وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} عُودُوا عَلَى مَنْ لَيْسَ فِي يَدِهِ شَيْءٌ.
|